فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يَا ابْنَ أمِّي فَدَتْكَ نَفْسِي ومَالِي

وقرئ أيضًا: {يَا ابْنَ إمْ} بكسر الهمزة والميم وهو إتباعٌ.
ومِنْ قلبِ الياءِ ألفًا قوله: [الرجز]
يَا ابْنَةَ عَمَّا لا تَلُومِيَ واهْجَعِي

وقوله: [الرجز]
كُنْ لِيَ لا عَلَيَّ يَا ابْنَ عَمَّا ** نَدُمْ عَزيزَيْنِ ونُكْفَ الذَّمَّا

فصل:
إنَّما قال: {ابْنَ أمْ} وكان هارون أخاه لأبيه ليرققه ويستعطفه.
وقيل: كان أخاه لأمِّه دون أبيه، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وأحبَّ إلى بني إسرائيل من موسى؛ لأنه كان لين الغضب.
قوله: {إِنَّ القوم استضعفوني} أي لم يلتفتوا إلى كلامي، يعني: عبدة العجل: {وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعداء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين} أي: شريكًا لهم في عقوبتك على فعلهم.
قوله: {فَلاَ تُشْمِتْ} العَامَّةُ على ضمِّ التاء، وسكر الميم، وهو من أشْمَتَ رباعيًا، الأعداء مفعول به.
وقرأ ابْنُ محيصن {فلا تَشْمِتْ} بفتح التَّاءِ وكسر الميم، ومجاهدٌ: بفتح التَّاءِ أيضًا وفتح الميم، {الأعْدَاءَ} نصب على المفعول به، وفي هاتين القراءتين تَخْرِيجَان:
أظهرهما: أن شَمِتَ، أو شَمَتَ بكسر الميم أو فتحها مُتَعَدٍّ بنفسه كـ: أشْمَتَ الرباعي.
يقال: شَمِتَ بي زيدٌ العَدُوَّ؛ كما يقال: أشْمَت بي العَدُوَّ.
والثاني: أنَّ تَشْمَتْ مُسْندٌ لضمير الباري تعالى أي: فلا تَشْمَتْ يا رب، وجاز هذا كما جاز: {الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} [البقرة: 15] ثم أضمر ناصبًا للأعْدَاءِ، كقراءة الجماعة، قاله ابْنُ جنِّي.
ولا حاجة إلى هذا التَّكلف؛ لأنَّ شَمِتَ الثلاثيَّ يكون متعدِّيًا بنفسه، والإضمار على خلاف الأًصل.
وقال أبُو البقاءِ- في هذا التَّخريج-: فلا تشمت أنت فجعل الفاعل ضمير مُوسَى، وهو أولى من إسناده إلى ضمير اللَّهِ تعالى، وأمَّا تَنْظِيرُهُ بقوله: {الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} فإنَّما جاز ذلك للمقابلة في قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله} [آل عمران: 54] ولا يجُوزُ ذلك في غَيْر المقابلة.
وقرأ حميد بنُ قيس {فلا تَشْمِت} كقراءة ابنِ محيصن، ومجاهد كقراءته فيه أوَّلًا، إلاَّ أنَّهُما رفعا {الأعْدَاء} على الفاعلية، جعلا شَمِتَ لازمًا فرفعا به {الأعداء} على الفاعليَّة، فالنَّهْيُ في اللَّفْظِ للمخاطب والمُرادُ به غيره كقولهم: لا أرَيَنَّكَ هاهنا، أي: لا يكن منك ما يقتضي أن تُشْمِتَ بي الأعْدَاءَ.
والإشمات والشَّماته: الفَرَحُ بِبَلِيةٍ تنالُ عَدُوَّك؛ قال: [الكامل]
-.................... ** والمَوْتُ دُونَ شَماتَةِ الأعْدَاء

فصل:
قيل: واشتقاقُها من شوامِتِ الدَّابة، وهي قوائِمُهَا؛ لأنَّ الشَّماتة تَقْلِبُ قلب الحاسِد في حالتي الفرَحِ والتَّرحِ كتقلُّب شوامِت الدَّابة.
وتشميت العاطس وتسميته، بالشِّين والسِّين الدعاء له بالخير.
قال أبو عبيد: الشِّينُ أعْلَى اللُّغتين.
وقال ثَعلبٌ: الأصْلُ فيها السِّينُ من السَّمْت، وهو القصد والهَدْي.
وقيل: معنى تشميت العاطس بالمعجمة أنْ يُثَبِّتَهُ اللَّه كما يثبت قوائم الدابة.
وقيل: بل التَّفعيل للسَّلب، أي: أزال الله الشَّماتة به وبالسِّين المهملة، أي: رَدَّهُ اللَّهُ إلى سَمْتِهِ الأولى، أي: هيئته، لأنَّهُ يحصل له انزعاج.
وقال أبُو بَكْرٍ: يقال: شَمَّتَه وشَمَّتَ عليه وفي الحديث: «وشَمَّت عليهما». اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِى مِن بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}.
لو وجد موسى قومه بألف ألف وِفاقٍ لكان متنغِّصَ العيش لِمَا مني به من حرمان سماع الخطاب والرد إلى شهود الأغيار.. فكيف وقد وجد قومه قد ضلوا وعبدوا العجل؟ ولا يُدْرَى أيُّ المحن كانت أشدَّ على موسى:
أَفِقدانُ سماع الخطابِ؟ أو بقاؤه عن سؤال الرؤية؟ أو ما شاهد من افتنان بني إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم في عبادة العجل؟ سبحان الله! ما أَشدَّ بلاءه على أوليائه!
قوله جلّ ذكره: {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا في رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
إن موسى عليه السلام وإنْ كان سَمِعَ من اللهِ فتَنَ قومه فإنه لما شَاهَدَهُم أثَّرت فيه المشاهدةُ بما لم يؤثر فيه السماع، وإنْ عُلِمَ قطعًا أنه تأثر بالسماع إلا أن للمعاينة تأثيرًا آخر.
ثم إن موسى لما أخذ برأس أخيه يجره إليه استلطفه هارونُ في الخطاب.
فقال: {ابْنَ أُمَّ} [طه: 94] فَذَكَرَ الأمَّ هنا للاسترفاق والاسترحام.
وكذلك قوله: {تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى وَلاَ بِرَأْسِى} [طه: 94] يريد بهذا أنه قد توالت المحنُ علي فذرني وما أنا فيه، ولا تَزِدْ في بلائي، خلفتني فيهم فلم يستنصحوني. وتلك عليَّ شديدةٌ. ولقيتُ بَعْدَكَ منهم ما ساءني، ولقد علمت أنها كانت علي عظيمة كبيرة، وحين رجعتَ أخذتَ في عتابي وجر رأسي وقصدْتَ ضربي، وكنت أود منك تسليتي وتعزيتي. فرِفقًا بي ولا تُشْمِتْ بي الأعداء، ولا تضاعِفْ عليّ البلاء.
وعند ذلك رقَّ له موسى- عليه السلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا في رَحْمَتِكَ}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (151):

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تبين له ما هو اللائق بمنصب أخيه الشريف من أنه لم يقصر في دعائهم إلى الله ولا ونى في نهيهم عن الضلال، ورأى أن ما ظهر من الغضب مرهب لقومه وازع لهم عما ارتكبوا، دعاء له ولنفسه مع الاعتراف بالعجز وأنه لا يسع أحدًا إلا العفو، وساق سبحانه ذلك مساق الجواب لسؤال بقوله: {قال رب} أي أيها المحسن إليَّ {اغفر لي} أي ما حملني عليه الغضب لك من إيقاعي بأخي {ولأخي} أي في كونه لما يبلغ ما كنت أريده منه من جهادهم.
ولما دعا بمحو التقصير، أتبعه الإكرام فقال: {وأدخلنا} أي أنا وأخي وكل من انتظم معنا {في رحمتك} لتكون غامرة لنا محيطة بنا؛ ولما كان التقدير: فأنت خير الغافرين، عطف عليه {وأنت أرحم الراحمين} أي لأنك تنعم بما لا يحصره الجد ولا يحصيه العد من غير نفع يصل إليك ولا أذى يلحقك بفعل ذلك ولا تركه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قال رَبّ اغفر لِى} أي فيما أقدمت عليه من هذا الغضب والحدة {وَلأَخِى} في تركه التشديد العظيم على عبدة العجل: {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين}.
واعلم أن تمام هذه السؤالات والجوابات في هذه القصة مذكور في سورة طه. والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قال موسى: {رَبّ اغفر لِى} بما فعلت بأخي هارون ويقال: لإلقاء الألواح {و} اغفر {لأخي} ما كان منه من التقصير في تركهم على عبادة العجل: {وَلأخِى وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} يعني: جنتك {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} يعني: أنت أرحم بنا منا بأنفسنا.
وقال الحسن: يعني أنت أرحم بنا من الأبوين. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
استغفر موسى من فعله مع أخيه ومن عجلته في إلقاء الألواح واستغفر لأخيه من فعله في الصبر لبني إسرائيل، ويمكن بأن الاستغفار كان لغير هذا مما لا نعلمه والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

{قال رب اغفر لي} يعني أن موسى لما تبين له عذر أخيه هارون قال رب اغفر لي ما صنعت إلى أخي هارون يريد ما أظهر من الموجدة عليه في وقت الغضب {ولأخي} يعني واغفر لأخي هارون إن كان وقع منه تقصير في الإنكار على عبدة العجل: {وأدخلنا} يعني جميعًا {في رحمتك} يعني في سعة رحمتك {وأنت أرحم الراحمين} وهذا فيه دليل على الترغيب في الدعاء لأن من هو أرحم الراحمين تؤمل منه الرحمة وفيه تقوية لطمع الداعي في نجاح طلبته. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال ربّ اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين}.
لما اعتذر إليه أخوه استغفر لنفسه وله قالوا واستغفاره لنفسه بسبب فعلته مع أخيه وعجلته في إلقاء الألواح واستغفاره لأخيه من فعلته في الصبر لبني إسرائيل قالوا: ويمكن أن يكون الاستغفار مما لا يعلمه والله أعلم، وقال الزمخشري لما اعتذر إليه أخوه وذكر شماته الأعداء، {قال رب اغفر لي ولأخي} ليرضي أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا يتمّ لهم شماتتهم واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه ولأخيه أن عسى فرّط في حين الخلافة وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته ولا تزال متضمنة لهما في الدنيا والآخرة انتهى، وقوله ولأخيه أن عسى فرط إن كانت أن بفتح الهمزة فتكون المخففة من الثقيلة ويقرب معناه، وإن كانت بكسر الهمزة فتكون للشرط ولا يصح إذ ذاك دخولها على عسى لأنّ أدوات الشرط لا تدخل على الفعل الجامد. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من حكاية اعتذارِ هارونَ عليه السلام كأنه قيل: فماذا قال موسى عند ذلك؟ فقيل: قال: {رَبّ اغفر لِى} أي ما فعلتُ بأخي من غير ذنبٍ مقرِّرٍ من قِبَله {وَلأَخِى} إن فرَطَ منه تقصيرٌ ما في كفهم عما فعلوه من العظيمة، استغفرَ عليه السلام لنفسه ليُرضِيَ أخاه ويُظهر للشامتين رضاه لئلا تتم شماتتُهم به ولأخيه للإيذان بأنه محتاجٌ إلى الاستغفار حيث كان يجب عليه أن يقاتلَهم {وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} بمزيد الإنعامِ بعد غُفران ما سلف منا {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} فلا غَرْوَ في انتظامنا في سلك رحمتِك الواسعةِ في الدنيا والآخرة، والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقرِّرٌ لما قبله. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية الاعتذار كأنه قيل فماذا قال موسى عليه السلام عند اعتذار أخيه؟ فقيل: قال: {رَبّ اغفر لِى} ما فعلت بأخي قبل جلية الحال وحسنات الأبرار سيئات المقربين {وَلاخِى} إن كان اتصف بما يعد ذنبًا بالنسبة إليه في أمر أولئك الظالمين، وفي هذا الضم ترضية له عليه السلام ورفع للشماتة عنه، والقول بأنه عليه السلام استغفر لنفسه ليرضي أخاه ويظهر للشامتين رضاه لئلا تتم شماتتهم به ولأخيه للإيذان بأنه محتاج إلى الاستغفار حيث كان يجب عليه أن يقاتلهم لي فيه توقف ولا يخفى وجهه.
{وَأَدْخِلْنَا} جميعًا..
{فِي رَحْمَتِكَ} الواسعة بمزيد الأنعام علينا، وهذا ما يقتضيه المقابلة بالمغفرة، والعدول عن ارحمنا إلى ما ذكر {وَأَنتَ أَرْحَمُ الرحمين} فلا غرو في انتظامنا في سلك رحمتك الواسعة في الدنيا والآخرة، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، وادعى بعضهم أن فيه إشارة إلى أنه سبحانه استجاب دعاءه وفيه خفاء. اهـ.